قصاصات في مهب الريح

مرحبا بك .. أنت ضيف على عقلى

السبت، أبريل ٢٩، ٢٠٠٦

العـــــــــــــــــــــــودة




.....لم أكن أتوقع أن أكون هنا أبدًا . لم أتصـــور أن يضمني هذا المكـــــــــان . ما خيلت إلي هذه الجدران . لون واحد .. نظام واحد .. ترتيب واحد . الوجوه كلها تتشابه .. الأزياء موحدة .. الأصوات تتشابه ، لكن حدتها منوعة حسب ما تقتضي الأمور .
....لم أضمن قائمة أماكني هذا المكان بأي حال من الأحوال ، ولماذا وأنا لم أعاني إلا من : ( عطسة أو كحة ) لا تلبث أن تذهب كما أتت ولم تكلفني وقتًا ضائعًا من حياتي إلا بضع ليال .. لم أكن أحسبها ضائعة بالكلية .. لأني لم أعدم المتعة خلالها .. فأحيانًا تكون أدوار البرد مشجعة على ممارسة بعض أنواع المتع .. ولو حتى الاستمتاع بنكات الزوار فيتحول منزلي إلى ما يشبه الحانة التي تجمع من الوجوه ما يتعذر تواجدهم في مكان آخر . . فعندي تختلط الأمزجة وتتباين الاتجاهات . . إلا أنها تتحد على أن بداخل كل منا منطقة خاوية هواؤها غير مطروق ولا مستنشق .. يمكنها استيعاب الكثير من الكلام الفارغ .
.......ما أفيد الكلام الفارغ عندما تنعدم فائدة الكلام المفيد الذي يفتقد الآذان فتتدهور قدرة الحناجر على إطلاقه . أؤكد لكم أني كثيرًا كثيرًا استفدت من الكلام الفارغ .. الصادر مني أو ما أستغل به قائله .. وكثيرًا ما سألت نفسي : لماذا لا تجعله الحكومة سلعة تدر دخلاً يحسب ضمن الدخل القومي ؟! فالكل محتاج إليه أو يمارسه ابتداء من ..... إلى ...... فكلنا في الهم شرق وإلى الكلام الفارغ برق .
......من فضلكم لا تحمروا لي أعينكم ، أو ترسموا على وجوهكم مسحة الاستنكار لأني أسمع جوانيتكم تصفق لي ، فالأفضل أن تُطرقوا لأرى الطير على رؤوسكم . . فمن منكم كان يتصور أن أكون في هذا المكان ؟! وعلى هذا السرير منذ ليلتين ؟! على الرغم من أني لا أشعر بأي إعياء غير هذا الصداع الذي كثيرًا ما أهملته وتلهيت عنه أوألهيت . قولو ما تشاؤون ... اغتنموا فرصة وجودي بينكم ، أشبعوا نواظركم مني واحفظوا صورتي في مخيلتكم ، وامنحوني الكثير من الموضوعات أشغل بها ليلي الذي ساقضيه وحدي في مكان ليس لي ؛ لتدور بي ذكرياتي في حلقة مفرغــــــة لا يصل الدائر فيها إلى آخرها ولا يعرف أين بدأ .
....ليتهم ما أخبروني أن مدة بقائي هنا قد تطول ، ولكن كيف تطول وقد أرهقت من كثرة التردد على تلك الغرفةالمزدحمة بالأجهزة والآلات ، فمن جهاز أشعة إلى مختبر تحاليل إلى هذه القائمة من الأدوية .. ما حسبت أن طرد الصداع سيكلفني كل هذه العمليات وكل هذه التوصيلات . إن أكثر ما يزعج ليلي أزيز هذا الجهاز المعلق فوق رأسي .. إنهم يسمونه جهاز متابعة القلب ، وأسميه وجع القلب .. هل هناك قلب في الدنيا الواسعة مثل قلبي الذي تحمل الكثير ووسع من الناس الكثير والكثير ودق راقصًا عمرًا طويلاً ؟!
أي عمر طويل .. إني لم أدرك من حياتي غير يوم .. ربما أقل .. ما زال فيها الكثير أريد أن أخرج لأدركه .. خططي بعد لم تتم .. حتمي أن أتمها .. فما لذة الحياة إلا بلوغ المرام .. هل خلقنا إلا لما فيه اللذة ؟! لا . بل خلقنا للذة . ألم تخلق الدنيا إلا للمتعة واغتنام اللحظات التي يسمونها أيامًا ؟!
....عجبًا . لماذا تضاءل عدد زواري ؟! لماذا يتســـــرب هذا الصــداع في كـــل عظامي إلى أظافري ؟! هل أنا هنا لينمو هذا الصداع الذي يسمونه المرض ؟ أم لينتزعوه مني ؟! إن لم يكن لذلك، فلماذا قضيت تلك الليالي العشر ؟! هل هذه الأنابيب تفرغ في دمائي العافية أم تفرغ السقم يطارد القوة حتى لا تجد سبيلاً إلا الفرار ؟! أشعر أن أشباحًا بدأت تسكن بدني .. تزرع أشواكًا .. ترضعني مرارة تتسرب إلى لساني من جوفي .. المسافرالذي ركب دمائي ينطلق حثيثًا دون وجهة وليته يعرفها لتنتهي رحلته خارجًا من مملكتي التي أحكمها بقوانيني .. بدأت أعترف به رغمًا عني .. ما عدت أشعر بوزني في فراشي .. ما عادوا يجلسوني .. مقعدتي هي ظهري وما زال الجهاز يئز رتيبًا .. ليته يحدثني .. ليت هؤلاء البيض يبدلون ابتسامتهم كلامًا .. لم أعد أرى الأيام .. كل ما أقضيه ليل .
..... انعدم الزوار .. مالي أسافر في ليالي الغابرة .. ؟! هل حقًا أمست غابرة ؟!! مالي أتوقف عن إتمام الرحلة في السعادة ؟! إني أبحر في اللا محدود .. الأمواج تتلاطم .. تحملني إلى ظلمة ليست بالظلمة .. إلى نور ليس بالنور .. العواصف من حولي .. من فوقي .. من تحتي .. ليست إعصارًا .. ليست رياحًا .. ليست نسيمًا . أنا لا أعرف إلا أني أتبدل .. هل أتبدل ؟!
من هذا الذي يهتف بي ولست أراه ؟!
أين جسدي .. ؟!
أين جدران الغرفة .. ؟! أين المعاطف البيضاء .. ؟!
ما عاد غير الأنفاس .. هل كل ما نملك من الحياة نفس .. ؟!
أيمكن أن يخرج إلى اللا عودة .. ؟!
هل يمكن أن تتوقف الطبلة التي تدق داخل صدري .. ؟! إنها تذكرني بطبلة ناعي الميت في قريتنا . لماذا أرى هذا الرجل بجلبابه القديــــــم يحمل الطبل الكبير وعصاه كأنها تنذر كل حي ، إن هذا الطبل سيدق يومًا فاتحًا لكم باب الآخرة .
الآخرة ؟!
الآخرة ؟! أي آخرة ؟!
أمي كانت تقول لي : ما له أول له آخر . هل كل شيء بطبلة ؟! لم أزر قريتنا من زمن الطفولة .. ليس في شوارع المدينة هذه الطبلة .. ربما فيها .. لكن صخب طبولنا يحجب صوتها .. هل يمكن أن يكون الموت هو الآخرة ؟!
الصوت الآتي من فوق المئذنة كان يقول : الحياة الآخرة . هل نحن أموات ؟ أأموات نتبادل المشاعر والود .. ؟! من قال هذا ..؟!
إن كان هذاهو الموت فما لون الحياة ؟ ! إن كان الموت أولاً وبعده الحياة فلماذا إذًا ولدنا ؟ ! الميت يأتي بميت .. عجبًا . الصوت يرتفع . من... ؟ أمي؟!
هل مت ثانية بعد أن أحييت .. ؟! كيف أتيت ؟ أحياء أم أموات ؟ أمي .. لماذا تمدين يديك ؟ لماذا تريدينني معك ؟ لم يعد جسدي يتحمل أن أكون معك .. لم أعد أملك غير النفس المتهدج الذي لا يعين على تحمل المتاعب .. لا تقسمي يا أمي .. فكيف تكون الرحلة دون هذا الجسد ؟! كيف يكون الجسد للدنيا فقط ؟ كيف نتركه في الدنيا ؟ لماذا نتركه للتراب وكثيرًا غسلناه مزيلين عنه التراب .. ؟! لماذا العيون إلى التراب ؟ لماذا الآذان إلى التراب ؟ لماذا اللذة إلى التراب ؟
....من هذا القادم القائل أنه رسول ربي جاء ليسترد الأمانة ؟ مالي لا أجد ريقًا أزدرده وقد جف حلقي ؟ أهو أنت ؟ أنت الذي كانت المئذنة تحدث عنك .. عرفتك .. الصوت الآتي من المئذنة كان يحدث عنك ... عن الرحلة ... عن اللقاء ... عن ربي الله ...
ربي ... أمي ... الصوت الآتي من المئذنة ... طبل القرية ... الرحلة ... اللاعودة.
من أنتم ؟! أين الأزيز ؟! أين الأنابيب ؟! علام تحمدون الله ؟
هل حقًا كانت حمى ؟
أفقدت الوعي ؟
أم وعيت كل الأشياء ؟!
الدنيا ... نفس يخرج ... قد لا يرجع ... وكلام فارغ ... سأقوم لأفتح نافذتي فالصوت الآتي من المئذنة ينادي ...
الأحد : 21/12/2003
الفروانية الكويت

1 Comments:

At ١٠:١٠ م, Anonymous غير معرف said...

سبحت معك إلى هناك..حيث الحقيقة الخالدة..حيث اللاعودة..حيث الصدق بعيدا بعيدا..عن نفاق البشر..عن قهر الحب..عن مذلة العشق..عن قتل الأمل..بعيدا عن كل مرض..حيث نتخلص من الجسد..لنبقى أنا وأنت..روحين التحما بروح واحدة تعانق السماء..تسجد شكرا وامتنانا..تقبل نسمات سماوية تحررها من كل الأوهام..الآن وهنا وجدت سعادتي..فإن كانت الدنيا نفس فليخرج تلك هي حقيقة خالدة..مني فليخرج لتبقى أنت تروي الآلام العشاق..وتداوي جروح المظلومين..أطالك الله عمرا وفكرا..

 

إرسال تعليق

<< Home